من الجميل -أن أذكر في هذا المقام - أنني امتهنت خلال الشهور الخالية
هواية تقليب الذكريات التي هي بدورها "تقليب للمواجع" بشكل آخر ،ـ
إذ أصبحت لذكرى أو الصورة القديمة العتيقة مكانة خاصّة في ذاتي
وأصبح كل الكلام ، كل الحديث ، كل الأصوات التي دوّنت
لها نكهةّ خاصّة جاذبة كالقهوة التركية اللتي انا بصدد التكلم عنها .. ـ
هذا مقال للذكرى ، مقال كتبته في مقهى كلاسيكي على طاولة على أحد أرصفة منطقة
تاكسيم
في قلب اسطنبول النابض الحنون ..
مقال أعيد فيه نفسي وألفظها من جديد .. ـ
أترككم ..ـ
------


أتحدث إليكم أعزائي من طرف- أو بالأحرى حافّة – قارة أوربا، حيث تلثم أوربا ثغر
آسيا، أكتب إليكم مقاوماً كل أشكال الإغراء،
هنا حيث كل ما يمكن تخيله، يكتسب خاصيّة الإغراء من رؤوس الجبال الملساء إلى فناجين القهوة المزخرفة،
أكتب إليكم متجاهلا مثلث الجمال، الجو والطبيعة والوجه الحسن ،
والذي بكل سعادة عاينته حقيقة لا وهما،
أكتب إليكم من بهو الفندق ، الذي يطل على شارع ينتمي إلى حقبة العصور الوسطى ،
حيث أراقب قطعان العربان تجول أمامي ، الذين أراهم فيزداد إعجابي بـ فرويد الذي وصف لنا هذه الحالة بكل أمانة ، أرى قطيع عظيم من الإناث متوشحات بالسواد أو غير موشحات، يقودهم في المقدمة فحل القطيع ، في مشهد لا يوجد إلى على قناة Animal Planet ،
أطلق النظر ثانيةً فأرى نظرات الجالسين في المقاهي من أتراك وأجانب هازئة و مزدرية ،
أكتب إليكم وأنا أعاني من إدمان القهوة المرضي ،
أكاد أطفح من القهوة، بياض عيني ، أسناني، جلدي ،أظافري، جسدي، تحول إلى لون البن،
حتى دمي أتى عليه البن والكافيين و صرت أنزف قهوة Sweet،
ألم أقل لكم إن كل ما في تركيا مغري ؟ كيف أريد أن لا أدمن وكل جلسة و كل مقهى يثير غرائزي التذوقية؟ الحياة أصبحت بطعم القهوة التركية العتيقة بالمستكة!
لا أخفيكم علما بأني سعيد، وأنني منسجم مع نفسي إلى أبعد الحدود، وأني أعيش نزهة فكرية لم أكن أتوقعها، فالحياة هنا وإن كانت مرتفعة الثمن وقاسية إلا أن لها طعما آخر و ومظهرا مغاير ، طعم يختلط فيه طعم البوظة التركية الشهية و مظهر على قمة رأسه طربوش ،

في تركيا المساحة واسعة للرياضة الذهنية والتأمل، كل شيء يمكن أن يكون مادّة للتفكر، من تقاسيم وجوه أطفال الشوارع إلى تقاسيم وجه أتاتورك ونظراته الثعلبية والذي أغرقت تركيا بصوره، من قمم المباني إلى جدران دورات المياه ،
تركيا ، بل أسطنبول ها هنا هي أيضًا مرتع جيّد للتناقض ، هنا تختلط أصوات المآذن بتأوهات الراقصات،
ترى الشيخ الوقور برفقة ابنته التي لا يسترها إلى ثلاثة أشبار من القماش ،
تشاهد العامل الذي يتقاضى عشرة دولارات في اليوم ، يلعن لحظة ولادته وإيجاده ، ويلعن جد الغلاء القاصم ، ثم يخرج سيجارة من علبة تتجاوز سعرها الخمسة دولارات ،
هنا تفقد الثقة حتى في بصرك، إحساسك ،حدسك، قلبك !
كنت أود أن أرفق لكم الدليل بإسهاب عن مدى الاختلاف الذي أعايشه حقيقة لا خيالا ، أود أن أجد مبررا لما أعتقد أنه مدعاة للغبطة والحسد ، فأترككم مع القليل منه لتعاينوه:

هنا كنت، على المقعد الأيسر جلست، أعتقد هنا يكتمل مثلث الجمال من ناحية الجو والطبيعة
:





أخي سعد، يطل من الشرفة، هذه اللقطة بمليون :)











أعتقد في الصور أعلاه يكتمل جانب الوجه الحسن من مثلث الجمال ،
وكنت أود أن أسهب في جانب الوجه الحسن إلا أن أخلاقياتي تمنعني :)

،،

قبل أن أغادر أود أن أصارحكم أنني في ورطة، طلب مني أحد الأشخاص أن أحضر له "لميس"
وأخبرني أنه لا مانع إن كان مصغرا منها، وألح في طلبه ، وأنا الآن في حرج من أمري فأمثال لميس كثير ، ولكن من أين لي بالأصل ؟ هل أعتذر ؟

دمتم! ـ


----
أنتهت :)