فأنا أذكر جيدا ً أنني في السنة الفارطة ، كتبتك ها هنا من تركيا عن تركيا ، وتركتكم وتركتها ،
وكلّما تقدّم بي الزمن عن آخر لقاء ، كلّ ما أدركت أكثر أنني فقدت كثيرا ً من الأشياء والأعضاء هناك ، ابتدءا ً ،
من نفسي التي نسيتها معلّقة على شمّاعة غرفتي ،
إلى قلبي الذي فقدته على طاولة إحدى المقاهي ،
بالقرب من كوب من القهوة التركية ،
ومن حسن حظّي ، أنني تسنّى لي أن أعودّ ، ثانيةً ، لألتقط كل هذا الذي فقدت ،
وأغمس جفناي وعيناي ، في كل هذا الحسن مرّة أخرى ،
أن أعود كي أمارس الحزن السعيد ، والتطفّل الخجول ،
على البشر والحجر والشجر والمطر .. ،
الجيّد في الزيارات ما بعد الأولى ، هو أنك تعرف كثيرا ً ، كيف يجب ان تكون
وماذا تفعل ولم تفعل وكيف تستغل كلّ شي تستطيعه لصالحك و ولذاتك ولضميرك ..
في هذه المرّة وهذا المكان ، لا يشغلني أبدا ً أتاتورك ونظرته الخبيثة ، ولا أردوغان وحماسه ، هذه المرّة
لا وقت ولا مكان للقراءات ، والفكر وعصر الدماغ في لغز فلسفي ، هنا دافع الإنسان الساذج مثلي ،
كيف يتلقط من كل هذا الحسن بأكبر قدرٍ يمكنه ؟
كل شيء سهل ويسير، يمر كمياه جدول يخر من أعلى قمّة تركيّة ،
سوى ، طمعي وجشعي في ألتقاط والاحتفاظ بالأشياء الجميلة ،
وبالمناسبة ، فإن هذه العادة متعبة جدا ً ، أن تكون صاحب ذائقة طفولية ،
وترهق نفسك بتجميع الجمال والحسن ، وكأنه حلوى مجّانية توزع عشوائيا...
أمرٌ مرهق حقا ً ..
هنا ، يجب أن تعيش متناغما ً كلّك ،
مع الطبيعة حولك ، أن تكون أنت والشجر والحجر وزخّات المطر والكوب والكرسي والطاولة شيئا ً واحدة ،
أن تكون رشّة المطر ، كبلعة ريقك ، وخفق أوراق الأشجار ، كإغماضة عينك وفتحها مرة أخرى ،
آتي إلى هذا المكان ، وكأنه اللقاء الأول ، لا تزال المآذن الشامخات الباسقات تثير شيئا ً في داخلي ، لا تزال
و"مرمرة" لا يزال يخطّني على شاطئه ،
الناس والوجوه والقسَمَات والأعين والشوارع والأزقّة كلها لا تزال جزءا ً منيّ ،
ولا أزال لا أملّها وأحاول أن اتقمّصها و تتقمصني قدر ما أستطيع ..
في هذا المكان هواياتي وميولي تتبدل ، يصبح "عدم التفكير" هواية مفضّلة لدي ، و وأن أهيم في الشوارع العريضة
المكتظّة خيار جميل بالنسبة لي ،
كثيرٌ من الأشياء تتبدل معانيها وتصبح شيئا ً آخر أو تفقد معناها ، التجارب والأشياء
هذه المرةّ متلوّنة .. مختلفة ..
القهوة والبوظة والمستكا ، حديث آخر ، عند أول رشفة تختلط الأزمنة ، نكهة الماضية وعبق الزمن كلها تجعل الأمر
لديك غامض ، والكلام في هذا يخرجك عن تفكيرك ومنطقك وحدّة ذهنك ...

يقال عند أهل الجدل والنظر من القدماء ، "أن الدعوى إذا لم يقم عليها بيّنات .. أصحابها أدعياء"
وسأكون مدّعي ، وسيكون كلامي هذا كلّه استفزاز فارغ ،
إذا لم يكن لدي بينّة وبرهان ، أقيم عليها صحّة دعواي ، ومشاهداتي
ومن حسن حظّي أن أحد مرافقّي يمتلك الآلة احترافية في التقاط الأدلة والبراهين ،
وحتى تتأكدوا وتعاينوا ما عينت ، أترككم مع هذا :


سعد ، يطل على جبل "أولداغ" ــ ..ـ







أجلس هنا كثيرا ً .. : ـ



على هذا أقتات ، وأعيش





سعد بعد لعقة آيس كريم :)




وخلاص ..! ــ